فصل: باب ما يحقّر على غير بناء مكبّره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  هذا باب تحقير بنات الياء والواو

اللاتي لاماتهن ياءات وواوات اعلم أنَّ كل شيء منها كان على ثلاثة أحرف فإنّ تحقيره يكون على مثال فعيلٍ ويجري على وجوه العربية لأنَّ كلّ ياء أو واوٍ كانت لاما وكان قبلها حرف ساكن جرى مجرى غير المعتلّ وتكون ياء التصغير مدغمة لأنَّهما حرفان من موضع والأوّل منهما ساكن‏.‏

وذلك قولك في قفاً‏:‏ قفىٌّ وفي فتىً فتىٌّ وفي جروٍ‏:‏ جرىٌّ وفي ظبيٍ‏:‏ ظبيٌّ‏.‏

واعلم أنَّه إذا كان بعد ياء التصغير ياءان حذفت التي هي آخر الحروف ويصير الحرف على مثال فعيلٍ ويجري على وجوه العربية‏.‏

وذلك قولك في عطاءٍ‏:‏ عطىٌّ وقضاءٍ‏:‏ قضىٌّ وسقايةٍ سقيّةٌ وإداوةٍ أديّةٌ وفي شاويةٍ شويّة وفي غاوٍ‏:‏ غوىٌّ‏.‏

إلاَّ أن تقول‏:‏ شويويةٌ وغويوٍ في من قال‏:‏ أسيود وذلك لأنّ هذه اللام إذا كانت بعد كسرة اعتلّت واستثقلت إذا كانت بعد كسرة في غير المعتلّ فلمَّا كانت بعد كسرة في ياء قبل تلك الياء ياء التحقير ازدادوا لها استثقالاً فحذفوها‏.‏

وكذلك أحوى إلاَّ في قول من قال‏:‏ أسيود‏.‏

ولاتصرفه لأنَّ الزيادة ثابتة في أوّله ولايلتفت إلى ماقلَّته كما لا يلتفت إلى قلّة يضع‏.‏

وأمّا عيسى فكان يقول‏:‏ أحىٌّ ويصرف وهو خطأ‏.‏

لو جاز ذا لصرفت أصمَّ لأنَّه أخّف من أحمر وصرفت أرأس إذا سمّيت به ولم تهمز فقلت‏:‏ أرس‏.‏

وأمّا ابو عمرٍ فكان يقول‏:‏ أحّىٍ‏.‏

ولو جاز لقلت في عطاءٍ‏:‏ عطىّ لأنَّها ياء كهذه الياء وهي بعد ياء مكسورة ولقلت في سقايةٍ‏:‏ سقيِّية وشاو‏:‏ شوٍى‏.‏

وأمّا يونس فقوله‏:‏ هذا أحىُّ كما ترى وهو القياس والصواب‏.‏

واعلم أن كلّ واو وياء أبدل الألف مكانها ولم يكن الحرف الذي الألف بعده واوا ولاياءً فإنها ترجع ياءً وتحذف ألألف لأنَّ مابعد ياء التصغير مكسوراً أبداً فإذا كسروا الذي بعده الألف لم يكن للألف ثبات مع الكسرة‏.‏

وليست بألف تأنيث فتثبت ولاتكسر الذي قبلها‏.‏

وذلك قولك في أعمى‏:‏ أعيمٍ وفي ملهًى‏:‏ مليهٍ كما ترى وفي أعشى‏:‏ أعيشٍ كما ترى وفي مثنىًّ‏:‏ مثنينٍ كما ترى إلاََّّ أن تقول‏:‏ مثينيٌّ في قول من قال محيميدٌ‏.‏

وإذا كانت الواو والياء خامسة وكان قبلها حرف لين فإنَّها بمنزلتها إذا كانت ياء التصغير تليها فيما كان على مثال فعيلٍ لأنَّها تصير بعد الياء الساكنة وذلك في قولك في مغزٍو‏:‏ مغيزىٌّ وفي وإذا حقّرت مطايا اسم رجل قلت‏:‏ مطىٌّ والمحذوف الألف التي بعد الطاء كما فعلت ذلك بقبائل كأنَّك حقَّرت مطياً‏.‏

ومن حذف الهمزة في قبائل فإنّه ينبغي له أن يحذف الياء التي بين الألفين فيصير كأنه حقر مطاءً‏.‏

وفي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ لأنَّك لو حقّرت مطاءً لكان على مثال فعيلٍ ولو جقَّرت مطياً لكان كذلك‏.‏

وكذلك خطايا اسم رجل إلاّ أنّك تهمز آخر الاسم لأنَّه بدلٌ من همزته فقول‏:‏ خطيءٍ فتحذفه وتردُّ الهمزة كما فعلت ذلك بألف منساةٍ‏.‏

ولاسبيل إلى أن تقول‏:‏ مطيءٍ لأن ياء فعيلٍ لاتهمز بعد ياء التصغير وإنّما تهمز بعد الألف إذا كسّرته للجمع فإذا لم تهمز بعد تلك الألف فهي بعد ياء التصغير أجدر أن لاتهمز وإنما انتهت ياء التحقير إليها وهي بمنزلتها قبل أن تكون بعد الألف‏.‏

ومع ذا إنَّك لو قلت فعائلٌ من المطىّ لقلت مطاءٍ ولو كسّرته للجمع لقلت‏:‏ مطايا فهذا بدلٌ أيضاً لازم‏.‏

وتحقير فعائلٍ كفعائل من بنات الياء والواو ومن غيرهما سواءٌ‏.‏

وهو قول يونس لأنَّهم كأنهم مدُّوا فعالٌ أو فعولٌ أو فعيلٌ بالألف كما مدّوا عذافرٌ‏.‏

والدليل على ذلك أنّك لاتجد فعائل إلاّ مهموزاً فهمزة فعائلٍ بمنزلتها في فعائل وياء مطايا بمنزلتها لو كانت في فعائلٍ وليست همزةً من نفس الحرف فيفعل بها مايفعل بما هو من نفس الحرف إنَّما هي همزةٌ تبدل من واو أو ياء أو ألفٍ من شيء لايهمز أبداً إلاَّ بعد ألف كما يفعل ذلك بواو قائلٍ فلمَّا صارت بعدها فلم تهمز صارت في أنَّها لاتهمز بمنزلتها قبل أن تكون بعدها ولم تكن الهمزة بدلاً من شيءٍ من نفس الحرف ولا من نفس الحرف فلم تهمز في التحقير هذا مع لزوم البدل يقوّى وهو قول يونس والخليل‏.‏

وإذا حقّرت رجلاً اسمه شهاوى قلت‏:‏ شهيٌّ كأنك حقرت شهوى كما أنك حين حقرت صحارى قلت‏:‏ صحيرٍ ومن قال‏:‏ صحيرٌ قال شهيٌّ أيضاً كأنه حقَّر شهاوٌ ففي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ‏.‏

وإذا حقرت عدوىٌّ اسم رجل أو صفة قلت‏:‏ عدييٌّ ‏)‏أربع ياءات‏(‏ لابدَّ من ذا‏.‏

ومن قال‏:‏ عدوىٌّ فقد أطأ وترك المعنى لأنه لا يريد أن يضيف إلى عدىٍّ محقّراً إنّما يريد أن يحقّر المضاف إليه فلا بدّ من ذا‏.‏

ولايجوز عديويٌّ في قول من قال‏:‏ أسيود لأنَّ ياء الإضافة بمنزلة الهاء في غزوةٍ فصارت الواو في عدويٍّ آخرة كما أنَّها في غزوةٍ آخرة فلمَّا لم يجز غزيوةٌ كذلك لم يجز عديويٌّ‏.‏

وإذا حقَّرت أمويٌّ قلت‏:‏ أميِّيٌّ كما قلت في عدوىٍ لأنَّ أمويّ ليس بناؤه بناء المحقَّر إنَّما بناؤه بناء فعلىٍّ فإذا أردت أن تحقِّر الأمويّ لم يكن من ياء التصغير بدٌّ كما أنَّك لو حقَّرت الثقفيَّ ولو قلت ذا لقلت إذا حقرت رجلاً يضاف إلى سليمٍ سلمىٌّ فيكون التحقير بلا ياء التحقير‏.‏

وإذا حقّرت ملهوىٌّ قلت‏:‏ مليهىٌّ تصير الواو ياءً لكسره الهاء‏.‏

وكذلك إذا حقَّرت حبلوىٌّ لأنك كسرت اللام فصارت ياءً ولم تصر وواً فكأنَّك أضفت إلى حبيلى لأنك حقّرت‏.‏

وهي بمنزلة واو ملهوىٍّ وتغيّرت عن حال علامة التأنيث كما تغيَّر عن حال علامة التأنيث حين قلت حبالى فصارت بمنزلة ياء صحارى فإذا قلت حبلوىٌّ فهو بمنزلة ألف معزى فإذا تغير إلى ياء كما تغيرت واو ملهوي لأنّك لم ترد أن تحقِّر حبلى ثم تضيف إليه‏.‏

  هذا باب تحقير كلّ اسم كان من شيئين ضمَّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد

زعم الخليل أنّ التحقير إنما يكون في الصَّدر لأن الصّدر عندهم بمنزلة المضاف والآخر بمنزلة المضاف إليه إذ كانا شيئين‏.‏

وذلك قولك في حضرموت‏:‏ حضيرموت‏.‏

وبعلبَّ‏:‏ بعيلبكُّ وخمسة عشر‏:‏ خميسة عشر‏.‏

وكذلك جميع ماأشبه هذا كأنك حقّرت عبد عمروٍ وطلحة زيدٍ‏.‏

وأمَّا اثنا عشر فتقول في تحقيره‏:‏ ثنيَّا عشر فعشر بمنزلة نو اثنين فكأنك حقّرت اثنين لأنّ حرف الإعراب الألف والياء فصارت عشر في اثني بمنزلة النون كما صار موت في حضر موت بمنزلة ريسٍ في عنتريسٍ‏.‏

اعلم أنَّ كل شيء زيد في بنات الثلاثة فهو يجوز لك أن يحذفه في الترخيم حتَّى تصير الكلمة على ثلاثة أحرف لأنها زائدة فيها وتكون على مثال فعيلٍ وذلك قولك في حارثٍ‏:‏ حريثٌ وفي أسود‏:‏ سويدٌ وفي غلاب‏:‏ غليبة‏.‏

وزعم الخليل أنه يجوز أيضاً في ضفنددٍ‏:‏ ضفيدٌ وفي خفييدٍٍ‏:‏ خفيدٌ وفي مقعنس‏:‏ قعيسٌ‏.‏

وكذلك كلَّ شيء كان أصله الثلاثة‏.‏

وبنات الأربعة في الترخيم بمنزلة بنات الثلاثة تحذف الزوائد حتّى يصير الحرف على أربعة لا زائدة فيه ويكون على مثال فعيعلٍ لأنه ليس فيه زيادة وزعم أنه سمع في إبراهيم وإسماعيل‏:‏ بريةٌ وسميعٌ‏.‏

  باب ماجرى في الكلام مصغَّراً وترك تكبيره

لأنّه عندهم مستصغر فاستغنى بتصغيره عن تكبيره وذلك قولهم‏:‏ جميلٌ وكعيتٌ وهو البلبل‏.‏

وقالوا‏:‏ كعتانٌ وجملانٌ فجاءوا به على التكبير‏.‏

ولو جاءوا به وهم يريدون أن يجمعوا المحقّر لقالوا‏:‏ جميلاتٌ‏.‏

فليس شيء يراد به التصغير إلاّ وفيه ياء التصغير‏.‏

وسألت الخليل عن كيت فقال‏:‏ هو بمنزلة جميلٍ وإنما هي حمرةٌ مخالطها سوادٌ ولم يخلص فإنَّما حقّروها لأنَّها بين السواد والحمرة ولم يخلص أن يقال اسود ولا أحمر وهو منهما قريب وإنَّما هو كقولك‏:‏ هو دوين ذلك‏.‏

وأمّا سكيتٌ فهو ترخيم سكيَّتٍ‏.‏

والسُّكّيت‏:‏ الذي يجيء آخر الخيل‏.‏

  باب مايحقر لدنوّه من الشيء وليس مثله

وذلك قولك‏:‏ هو أصيغر منك وإنَّما أردت أن تقلل الذي بينهما ومن ذلك قولك هو دوين ذاك وهو فويق ذاك‏.‏

ومن ذا أن تقول أسيِّد أي قد قارب السّواد‏.‏

وأمّا قول العرب‏:‏ هو مثيل هذا وأميثال هذا فإنَّما هذا فإنَّما أرادوا أن يخبروا أن المشبَّه حقيرٌ كما أن المشبّه به حقيرٌ‏.‏

وسألأت الخليل عن قول العرب‏:‏ ما أميلحه‏.‏

فقال‏:‏ لم يكن ينبغي أن يكون في القياس لأنَّ الفعل لايحقَّر وإنّما تحقَّر الأسماء لأنها توصف بما يعظم ويهون والأفعال لاتوصف فكرهوا أن تكون الأفعال كالأسماء لمخالفتها إيّاها في أشياء كثيرة ولكنهم حقّروا هذا اللفظ وإنّما يعنون الذي تصفه بالملح كأنَّك قلت‏:‏ مليِّحٌ شبّهوه بالشيء الذي تلفظ به وأنت تعني شيئاً آخر نحو قولك‏:‏ وليس شيء من لفعل ولا شيءٌ مما سمِّى به الفعل يحقّر إلاّ هذا وحده وماأشبهه من قولك‏:‏ ما أفعله‏.‏

واعلم أنّ علامات الإضمار لا يحقَّرون من قبل أنها لا تقوى قوّة المظهرة ولاتمكن تمكنُّها فصارت بمنزلة لا ولو وأشباههما‏.‏

فهذه لا تحقَّر لأنها ليست أسماء وإنما هي بمنزلة ألأفعال التي لا تحقَّر‏.‏

فمن علامات الإضمار وأنا ونحن ولو حقرتهنَّ لحقّرت الكاف التي في بك والهاء التي في به وأشباه هذا‏.‏

ولا يحقّر أين ولا متى ولا كيف ولا حيث ونحوهنَّ من قبل أنّ أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت حين قلت‏:‏ فويق ذاك ودوين ذاك وتحيت ذاك وليست أسماء تمكَّن فتدخل فيها الألف واللام ويوصفن وإنَّما لهنَّ مواضع لا يجاوزنها فصرن بمنزلة علامات الإضمار‏.‏

وكذلك من وما وأيهم إنَّما هنَّ بمنزلة أين لا تمكَّن الأسماء التامَّة نحو زيدٍ ورجلٍ‏.‏

وهنَّ حروف استفهام كم أنَّ أين حرف استفهام فصرن بمنزلة هل في أنهنَّ لا يحقرن‏.‏

ولا نحقّر غير لأنَّها ليست منزلة مثل وليس كلّ شيء يكون غير الحقير عندك يكون محقَّراً مثله كما لا يكون كلُّ شيء مثل الحقير حقيراً وإنّما معنى مررت برجلٍ غيرك معنى مررت برجلٍ ليس بك وسواك لا يحقر لأنه ليس اسماً متمكناً وإنما هو كقولك مررت برجل ليس بك فكما قبح تحقير ليس قبح تحقير سوى‏.‏

وغير أيضاً ليس باسم متمكَّن‏.‏

ألا ترى أنَّها لا تكون إلاَّ نكرة ولا تجمع ولا تدخلها الألف واللام‏.‏

وكذلك حسبك لا يحقَّر كما لا يحقَّر غير وإنَّما هو كقولك‏:‏ كفاك فكما لا يحقَّر كفاك كذلك لا تحقِّر هذا‏.‏

واعلم أنَّ اليوم والشهر والسنة والساعة والليلة يحقّرن‏.‏

وأمَّا أمس وغد فلا يحقَّران لأنَّهما ليسا اسمين لليومين بمنزلة زيدٍ وعمروٍ وإنّما هما اليوم الذي قبل يومك واليوم بعد يومك ولم يتمكنا كزيدٍ واليوم والساعة والشهر وأشباههن ألا ترى أنَّك تقول‏:‏ هذا اليوم وهذه الليلة فيكون لما أنت فيه ولما لم يأت ولما مضى وتقول‏:‏ هذا زيد وذلك زيد فهو اسم ما يكون معك وما يتراخى عنك‏.‏

وأمس وغد لم يتمكنا تمكَّن هذه الأشياء فكرهوا أن يحقّروهما كما كرهوا تحقير أين واستغنوا عن تحقيرها بالذي هو أشدّ تمكنا وهو اليوم والليلة والساعة‏.‏

وكذلك أوّل من أمس والثَّلاثاء والأربعاء والبارحة لما ذكرنا وأشباههنَّ‏.‏

ولا تحقَّر أسماء شهور السنة فعلامات ما ذكرنا من الدَّهر لا تحقّر إنَّما يحقَّر الاسم غير العلم الذي يلزم كلّ شيء من أمته نحو‏:‏ رجلٍ وامرأة وأشباههما‏.‏

واعلم أنَّك لا تحقِّر الاسم إذا كان بمنزلة الفعل ألا ترى أنّه قبيح‏:‏ هو ضويرب زيداً وهو ضويرب زيدٍ إذا أردت بضارب زيدٍ التنوين‏.‏

وإن كان ضارب زيدٍ لما مضى فتصغيره جيدّ‏.‏

ولا تحقِّر عند كما تحقِّر قبل وبعد ونحوهما لأنّك إذا قلت عند فقد قللت ما بينهما وليس يراد من التقليل أقلُّ من ذا فصار ذا كقولك‏:‏ قبيل ذاك إذا أردت أن تقلَّل ما بينهما‏.‏

وكذلك عن ومع صارتا في أن لا تحقّرا كمن‏.‏

  باب تحقير كلّ اسم كان ثانية ياء تثبت في التحقير

وذلك نحو‏:‏ بيت وشيخ وسيِّد‏.‏

فأحسنه أن تقول‏:‏ شييخ وسييد فتضم لأنّ التحقير يضم أوائل الأسماء وهو لازم له كما أنّ الياء لازمة له‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ شييخ وبييت وسييد كراهية الياء بعد الضمّة‏.‏

  باب تحقير المؤنَّث

اعلم أن كلّ مؤنَّث كان على ثلاثة أحرف فتحقيره بالهاء وذلك قولك في قدم‏:‏ قديمة وفي يدٍ‏:‏ وزعم الخليل أنَّهم إنَّما أدخلوا الهاء ليفرقوا بين المؤنّث والمذكّر‏.‏

قلت‏:‏ فما بال عناقٍ قال‏:‏ استثقلوا الهاء حين كثر العدد فصارت القاف بمنزلة الهاء فصارت فعيلةً في العدد والزنة فاستثقلوا الهاء‏.‏

وكذلك جميع ما كان على أربعة أحرف فصاعدا‏.‏

قلت‏:‏ فما بال سماءٍ قالوا‏:‏ سميَّة قال‏:‏ من قبل أنها تحذف في التحقير فيصير تحقيرها كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف فلمَّا خفَّت صارت بمنزلة دلوٍ كأنَّك حقَّرت شيئاً على ثلاثة أحرف‏.‏

فإن حقّرت امرأة سقَّاء قلت‏:‏ سقيقيٌّ ولم تدخلها الهاء لأنَّ الاسم قد تمّ‏.‏

وسألته عن الذين قالوا في حباري‏:‏ حبيِّرة فقال‏:‏ لمَّا كانت فيه علامة التأنيث ثابتةً أرادوا أن لا يفارقها ذلك التحقير وصاروا كأنَّهم حقّروا حبارة‏.‏

وأمَّا الذين تركوا الهاء فقالوا‏:‏ حذفنا الياء والبقية على اربعة أحرف فكأنّا حقّرنا حبار‏.‏

ومن قال في حباري‏:‏ حبيِّرة قال‏:‏ في لغيزي‏:‏ لغيغيزة وفي جميع ما كانت فيه الألف خامسة فصاعداً إذا كانت ألف تأنيث‏.‏

وسألته عن تحقير نصفٍ نعت امرأة فقال‏:‏ تحقيرها نصيف وذاك لأنّه مذكّر وصف به مؤنث‏.‏

ألا ترى أنّك تقول‏:‏ هذا رجل نصف‏.‏

ومثل ذلك أنّك تقول‏:‏ هذه امرأة رضىً فإذا حقّرتها لم تدخل الهاء لأنَّها وصفت بمذكّر وشاركت المذكّر في صفته لم تغلب عليه‏.‏

ألا ترى أنك لو وتصديق ذلك فيما زعم الخليل قول العرب في الخلق‏:‏ خليق وإن عنوا المؤنَّث لأنه مذكّر يوصف به المكّر فشاركه فيه المؤنث‏.‏

وزعم الخليل أن الفرس كذلك‏.‏

وسألته عن الناب من الإبل فقال‏:‏ إنّما قالوا‏:‏ نييب لأنَّهم جعلوا الناب الذّكر اسماً لها حين طال نابها على نحو قولك للمرأة‏:‏ إنَّما أنت بطين ومثلها أنت عينهم فصار اسماً غالباً وزعم أن الحرف بتلك المنزلة كأنَّه مصدر مذكّر كالعدل والعدل مذكّر وقد يقال‏:‏ جاءت العدل المسلمة‏.‏

وكأنَّ الحرف صفة ولكنَّها أجريت مجرى الاسم كما أجرى الأبطح والأبرق والأجدل‏.‏

وإذا رخَّمت الحائض فهي كالضامر لأنَّه إنما وقع وضفاً لشيء والشَّيء مذكَّر‏.‏

وقد بيَّنا هذل فيما قبل‏.‏

قلت‏:‏ فما بال المرأة إذا سمِّيت بحجر قلت‏:‏ حجيرة قال‏:‏ لأنّ حجر قد صار اسماً لها علما وصار خالصاً وليس بصفة ولا اسماً شاركت فيه مذكّرا على معنّى واحد ولم ترد أن تحقِّر الحجر كما أنَّك أردت أن تحقِّر المذكّر حين قلت‏:‏ عديل وقريش وإنَّما هذا كقولك للمرأة‏:‏ ما أنت إلا رجيل وللرجل‏:‏ ما أنت إلا مريَّة فإنّما حقَّرت الرجل والمرأة‏.‏

ولو سمّيت امرأة بفرس لقلت‏:‏ فريسة كما قلت‏:‏ حجيرة فإذا حقَّرت الناب والعدل وأشباههما فإنَّك تحقِّر ذلك الشيء والمعنى يدلُّ على ذلك وإذا سمَّيت رجلاً بعين أو أذنٍ فتحقيره بعينٍ أو أذنٍ فتحقيره بغير هاء وتدع الهاء ههنا كما أدخلتها في حجرٍ اسم امرأة‏.‏

ويونس يدخل الهاء ويحتجّ بأذينة وإنما سمَّى بمحقَّر‏.‏

  باب ما يحقّر على غير بناء مكبّره

الذي يستعمل في الكلام فمن ذلك قول العرب في مغرب الشمس‏:‏ مغيربان الشمس وفي العشيِّ‏:‏ آتيك عشيَّاناً‏.‏

وسمعنا من العرب من يقول في عشَّية‏:‏ عشيشية فكأنهم حقَّروا مغربان وعشيان وعشاة‏.‏

وسألت الخليل عن قولك‏:‏ آتيك أصيلالاً فقال‏:‏ إنما هو أصيلان أبدلوا اللام منها‏.‏

وتصديق ذلك قول العرب‏:‏ آتيك أصيلاناً‏.‏

وسألته عن قول بعض العرب‏:‏ آتيك عشيَّاناتٍ ومغيربانات فقال‏:‏ جعل ذلك الحين أجزاء لأنَّه حين كلمَّا تصوَّيت فيه الشمس ذهب منه جزء فقالوا‏:‏ عشيَّانات كأنَّهم سمَّوا كلَّ جزء منه عشيَّة‏.‏

ومثل ذلك قولك المفارق في مفرقٍ جعلوا المفرق مواضع ثم قالوا‏:‏ المفارق كأنَّهم سمّوا كلّ موضع مفرقاً‏.‏

قال الشاعر وهو جرير‏:‏ ومن ذلك قولهم للبعير‏:‏ ذو عثانين كأنهم جعلوا كلّ جزء منه عثنوناً‏.‏

ونحو ذا كثير‏.‏

فأمَّا غدوة فتحقيرها عليها تقول‏:‏ غدية وكذلك سحر تقول‏:‏ أتانا سحيراً‏.‏

وكذلك ضحىً تقول‏:‏ أتانا ضحيّاً‏.‏

وقال الشاعر وهو النابغة الجعدي‏:‏

كأنّ الغبار الذي غادرت ** ضحيّاً دواخن من تنضب

واعلم أنك لا تحقر في تحقيرك هذه الأشياء الحين ولكنّك تريد أن تقرِّب حيناً من حين وتقلِّل الذي بينهما كما أنك إذا قلت‏:‏ دوين ذاك وفويق ذاك فإنما تقرّب الشيء من الشيء وتقلَّل الذي بينهما وليس المكان بالذي يحقّر‏.‏

ومثل ذلك قبيل وبعيد فلمَّا كانت أحياناً وكانت لا تمكن وكانت لم تحقَّر لم تمكَّن على هذا الحدّ تمكُّن غيرها‏.‏

وقد بيَّنا ذلك فيما جاء تحقيره مخالفاً كتحقير المبهم فهذا مع كثرتها في الكلام‏.‏

وجميع ذا إذا سمَّي به الرجل حقَر على القياس‏.‏

ومما يحقّر على غير بناء مكبَّره المستعمل في الكلام إنسان تقول‏:‏ أنيسيان وفي بنون‏:‏ أبينون كأنهم حقَّروا إنسيان وكأنهم حقَّروا أفعل نحو أعمى وفعلوا هذه الأشياء لكثرة استعمالهم إيَّاها في كلامهم وهم ممّا يغيِّرون الأكثر في كلامهم عن نظائره وكما يجيء جمع الشيء على غير بنائه المستعمل‏.‏

ومثل ذلك ليلة تقول لييلية كما قالوا‏:‏ ليالٍ وقولهم في رجلٍ‏:‏ رويجل ونحو هذا‏.‏

وجميع هذا أيضاً إذا سمّيت به رجلاً أو امرأة صرفته إلى القياس كما فعلت ذلك بالأحيان‏.‏

ومن ذلك قولهم في صبية‏:‏ أصيبية وفي غلمةٍ‏:‏ أغيلمة كأنَّهم حقروا أغلمةً وأصبيةً وذلك أنَّ أفعلةً يجمع به فعال وفعيل فلمَّا حقّروه جاءوا به على بناء قد يكون لفعالٍ وفعيلٍ‏.‏

فإذا سمَّيت به امرأة أو رجلاً حقرته على القياس ومن العرب من يجريه على القياس فيقول‏:‏ صبيَّة وغليمة‏.‏

وقال الراجز‏:‏ صبيةً على الدُّخان رمكا ما إن عدا أصغرهم أن زكَّا باب تحقير الأسماء المبهمة اعلم أن التحقير يضم أوائل هذه الأسماء فإنّه يترك أوائلها على حالها قبل أن تحقّر وذلك لأنَّ لها نحواً في الكلام ليس لغيرها - وقد بيّنَّا ذلك - فأرادوا أن يكون تحقيرها على غير تحقير ما سواها‏.‏

وذلك قولك في هذا‏:‏ هذيَّا وذاك‏:‏ ذيّاك وفي ألا‏:‏ أليَّا‏.‏

وإنَّما ألحقوا هذه الألفات في أواخرها لتكون أواخرها عل غير حال أواخر غيرها كما صارت أوائلها على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ فما بال ياء التصغير ثانيةً في ذا حين حقّرت قال‏:‏ هي في الأصل ثالثة ولكنَّهم حذفوا الياء حين اجتمعت الياءات وإنَّما حذفوها من ذييَّا‏.‏

وأما تيَّا فإنما هي تحقيرتا وقد استعمل ذلك في الكلام‏.‏

قال الشاعر كعب الغنويٌّ‏:‏

وخبَّرتماني أنَّما الموت في القرى ** فكيف وهاتا هضبة وقليب

وقال عمران بن حطَّان‏:‏

وليس لعيشنا هذا مهاه ** وليست دارنا هاتا بدار

وكرهوا أن يحقَّروا المؤنّث على هذه فيلتبس الأمر‏.‏

وأمّا من مدَّ ألاء فيقول‏:‏ ألياء وألحقوا هذه الألف لئّلا يكون بمنزلة غير المبهم من الأسماء كما فعلوا ذلك في آخر ذا وأوّله‏.‏

وأولئك هما أولا وأولاء كما أنَّ هو ذا إلاّ أنَّك زدت الكاف للمخاطبة‏.‏

ومثل ذلك الذي والتي تقول‏:‏ اللذيَّا واللتّيَّا‏.‏

قال العجّاج‏:‏ بعد اللَّتيَّا واللّتيَّا والتي وإذا ثنَّيت هذه الألفات كما تحذف ألف ذواتا لكثرتها في الكلام إذا ثنيَّت‏.‏

وتصغير ذلك في الكلام ذيَّاك وذيالك وكذلك اللَّذيا إذا قلت‏:‏ اللذيُّون والتي إذا قلت‏:‏ اللَّتيات والتثنية إذا قلت‏:‏ اللّذيَّان واللَّتيَّان وذيَّان‏.‏

ولا يحقّر من ولا أيٌّ إذا صارا بمنزلة الذي لأنّهما من حروف الاستفهام والذي بمنزلة ذا أنَّها ليست من حروف الاستفهام فمن لم يلزمه تحقير كما يلزم الذي لأنّه إنَّما يريد به معنى الذي وقد استغنى عنه بتحقير الذي مع ذا الذي ذكرت لك‏.‏

واللاّتي لا تحقَّر استغنوا بجمع الواحد إذا حقّر عنه وهو قولهم‏:‏ اللّتيَّات فلمَّا استغنوا عنه صار مسقطا‏.‏

فهذه الأسماء لمَّا لم يكن حالها في التحقير حال غيرها من الأسماء غير المبهمة ولم تكن حالها في أشياء قد بيَّناها حال غير المبهمة صارت يستغنى ببعضها عن بعض كما استغنوا بقولهم‏:‏ أتانا مسيّاناً وعشيَّاناً عن تحقير القصر في قولهم‏:‏ أتانا قصراً وهو العشيّ‏.‏

  باب تحقير ما كسّر عليه الواحد للجمع

وسأبيّن لك تحقير ذلك إن شاء الله اعلم أنّ كل بناء كان لأدنى العدد فإنّك تحَّقر ذلك البناء لا تجاوزه إلى غيره من قبل أنك إنَّما واعلم أن لأدنى العدد أبنية هي مختصَّة به وهي له في الأصل وربَّما شركه فيه الأكثر كما أنَّ الأدنى ربَّما شرك الأكثر‏.‏

فأبنية أدنى العدد أفعل نحو‏:‏ أكلبٍ وأكعبٍ‏.‏

وأفعال نحو‏:‏ أجمالٍ وأعدالٍ وأحمالٍ وأفعلة نحو‏:‏ أجربةٍ وأنصبةٍ وأغربةٍ‏.‏

وفعلة نحو‏:‏ غلمةٍ وصبيةٍ وفتيةٍ وإخوةٍ وولدةٍ‏.‏

فتلك أربعوة أبنية فما خلا هذا فهو في الأصل للأكثر وإن شركه الأقل‏.‏

ألا ترى ما خلا هذا إنَّما يحقّر على واحده فلو كان شيء ممّا خلا هذا يكون للأقل كان يحقّر على بنائه كما تحقّر الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد وذلك قولك في أكلب‏:‏ أكيلب وفي أجمالٍ‏:‏ أجيمال وفي أجربة‏:‏ أجيربة وفي غلمةٍ‏:‏ غليمة وفي ولدةٍ‏:‏ وليدة‏.‏

وكذلك سمعناها من العرب‏.‏

فكلّ شيء خالف هذه الأبنية في الجمع فهو لأكثر العدد وإن عني به على الأقلُّ فهو داخل على بناء الأكثر وفيما ليس له كما يدخل الأكثر على بنائه وفي حيِّزه‏.‏

وسألت الخليل عن تحقير الدُّور فقال‏:‏ أردُّه إلى بناء أقلّ العدد لأني إنّما أريد تقليل العدد فإذا أردت أن أقللّه وأحقّره صرت إلى بناء الأقلِّ وذلك قولك‏:‏ أديئر فإن لم تفعل فحقّرها على الواحد وألحق تاء الجمع وذلك لأنَّك تردّه إلى الاسم الذي هو لأقلّ العدد‏.‏

ألا ترى أنَّك تقول للأقل ظبيات وغلوات وركوات ففعلات ههنا بمنزلة أفعلٍ في المذكَّر وأفعالٍ ونحوهما‏.‏

وكذلك ما جمع بالواو والنون والياء والنون وإن شركه الأكثر كما شرك الأكثر الأقلُّ فيما ذكرنا قبل هذا‏.‏

وإذا حقَّرت الأكفّ والأرجل وهنَّ قد جاوزن العشر قلت‏:‏ أكيفٌّ وأريجلٌ لأنَّ هذا بناء أدنى العدد وإن كان قد يشرك فيه الأكثر الأقلَّ‏.‏

وكذلك الأقدام والأفخاذ‏.‏

ولو حقَّرت الجفنات وقد جاوزن العشر لقلت‏:‏ جفينات لا تجاوز لأنّها بناء أقلِّ العدد‏.‏

وإذا حقَّرت المرابد والمفاتيح والقناديل والخنادق قلت‏:‏ مريبدات ومفيتيحات وقنيديلات وخنيدقات لأنَّ هذا البناء للأكثر وإن كان يشركه فيه الأدنى فلمَّا حقرت صيّرت ذلك إلى شيء هو الأصل للأقلّ‏.‏

ألا تراهم قالوا في دارهم‏:‏ ريهمات‏.‏

وإذا حقَّرت الفتيان قلت‏:‏ فتيَّة فإن لم تقل ذا قلت‏:‏ فتيُّون فالواو والنون بمنزلة التاء في المؤنَّث‏.‏

وإذا حقّرت الشسُّوع وأنت تريد الثلاثة قلت‏:‏ شسيعات ولا تقول شسيّع أنَّ هذا البناء لأكثر العدد في الأصل وإنَّما الأقل مدخل عليه كما صار الأكثر يدخل على الأقلِّ‏.‏

وإذا حقّرت الفقراء قلت‏:‏ فقيِّرون على واحده وكذلك أذلاّء إن لم تردده إلى الأذلّة ذليِّلون‏.‏

قال رجل من الأنصار الجاهلي‏:‏ إن ترينا قليِّلين كما ذي د عن المجربين ذود صحاح وكذلك حمقى وهلكى وسكرى وجرحى وما كان من هذا النّحو ممّا كسّر الواحد‏.‏

وإنّما صارت التاء والواو والنون لتثليث أدنى العدد إلى تعشيره وهو الواحد كما صارت الألف والنون للتثنية ومثنّاه أقلُّ من مثلَّثه‏.‏

ألا ترى أنّ جرّ التاء ونصبها سواء وجر الاثنين والثلاثة الذين هم على حدّ التثنية ونصبهم سواء‏.‏

فهذا يقرِّب أن التاء والواو والنون لأدنى العدد لأنّه وافق المثنى‏.‏

وإذا أردت أن تجمع الكليب لم تقل إلاَّ كليبات لأنَّك إن كسّرت المحقَّر وأنت تريد جمعه ذهبت ياء التحقير‏.‏

فاعرف هذه الأشياء‏.‏

واعلم أنَّهم يدخلون بعضها على بعض للتوسُّع إذا كان ذلك جمعاً‏.‏

  باب ما كسّر على غير واحده المستعمل في الكلام

فإذا أردت أن تحقره حقرته على واحده المستعمل في الكلام الذي هو من لفظه وذلك قولك في ظروفٍ‏:‏ ظريِّفون وفي السُّمحاء‏:‏ سميحون وفي الشعراء‏:‏ شويعرون‏.‏

وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياساً ولا غير ذلك فتحقيره على واحدٍ هو بناؤه إذا جمع في القياس‏.‏

وذلك نحو عباديد فإذا حقّرتها قلت‏:‏ عبيديدون لأنّ عباديد إنما هو جمع فعلولٍ أو فعليلٍ أو فعلالٍ‏.‏

فإذا قلت‏:‏ عبيديات فأيّاً ما كان واحدها فهذا تحقيره‏.‏

وزعم يونس أن من العرب من يقول في سراويل‏:‏ سرييَّلات وذلك لأنهم جعلوه جماعاً بمنزلة دخاريض وهذا يقوِّي ذاك لأنهم إذا أرادوا بها الجمع فليس لها واحد في الكلام كسَّرت عليه ولا غير ذلك‏.‏

وإذا أردت تحقير الجلوس والقعود قلت‏:‏ قويعدون وجويلسون فإنما جلوس ههنا حين أرادت الجمع بمنزلة ظروف وبمنزلة الشهود والبكيّ وإنّما واحد الشّهود شاهد والبكيّ الباكي‏.‏

هدان المستعملان في الكلام ولم يكسَّر الشُّهود والبكيُّ عليهما فكذلك الجلوس‏.‏

  باب تحقير ما لم يكسَّر عليه واحد للجمع

ولكنَّه شيء واحد يقع على الجميع فتحقيره كتحقير الاسم الذي يقع على الواحد لأنه بمنزلته إلا أنه يعني به الجميع وذلك قولك في قومٍ‏:‏ قويم وفي رجلٍ‏:‏ رجيل‏.‏

وكذلك النفر والرّهط والنّسوة وإن عنى بهن أدنى العدد‏.‏

وكذلك الرَّجلة والصُّحبة هما بمنزلة النِّسوة وإن كانت الرّجلة لأدنى العدد لأنّهما ليسا مما يكسّر عليه الواحد‏.‏

وإن جمع شيء من هذا على بناء من أبنية أدنى العدد حقّرت ذلك البناء كما تحقّر إذا كان بناءً لما يقع على الواحد‏.‏

وذلك نحو أقوامٍ وأنفارٍ تقول‏:‏ أقَّيام وأنيفار‏.‏

وإذا حقرت الأراهط قلت‏:‏ رهيطون كما قلت في الشعراء‏:‏ شويعرون‏.‏

وإن حقّرت الخباث قلت خبيثات كما كنت قائلاً ذاك لو حقرت الخبوث والخباث‏:‏ جمع الخبيثة بمنزلة ثمارٍ فمنزلة هذه الأشياء منزلة واحدة‏.‏

وقال‏:‏ قد شربت إلاَّ دهيدهينا قليِّصات وأبيكرينا والدهداء‏:‏ حاشية الإبل فكأنه حقّر دهاده فردّه إلى الواحد وهو دهداه وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين وسنين وذلك حيث اضطرّ في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير‏.‏

وأمّا أبيكرينا فإنه جمع الأبكر كما يجمع الجزر والطُّرق فتقول‏:‏ جزرات وطرقات ولكنّه أدخل الياء والنُّون كما أدخلها في الدُّهيدهين‏.‏

وإذا حقرت السِّنين لم تقل إلاَّ سنيات لأنَّك قد رددت ما ذهب فصار على بناء لا يجمع بالواو والنون وصار الاسم بمنزلة صحيفةٍ وقصيعةٍ‏.‏

وكذلك أرضون تقول‏:‏ أريضات ليس إلاّ لأنَّها بمنزلة بديرةٍ‏.‏

وإذا حقَّرت أرضين اسم امرأة قلت‏:‏ أريضون وكذلك السِّنون ولا تدخل الهاء لأنَّك تحقّر بناء أكثر من ثلاثة ولست تردُّها إلى الواحد لأنَّك لا تريد تحقير الجمع فأنت لا تجاوز هذا اللفظ كما لا تجاوز ذلك في رجل اسمه جريبان تقول‏:‏ جريبان كما تقول في خراسان‏:‏ خريسان ولا تقول فيه كما تقول حين تحقِّر الجريبين‏.‏

وإذا حقَّرت سنين اسم امرأة في قول من قال‏:‏ هذه سنين كما قلت‏:‏ سنيِّن على قوله في يضع‏:‏ يضيع‏.‏

ومن قال‏:‏ سنون قال‏:‏ سنيُّون فرددت ما ذهب وهو اللاّم‏.‏

وإنَّما هذه الواو والنون إذا وقعتا في الاسم بمنزلة ياء الإضافة وتاء التأنيث التي في بنات الأربعة لا يعتدّ بها كأنَّك حقّرت سنيٌّ‏.‏

وإذا حقَّرت أفعال اسم رجل قلت‏:‏ أفيعال كما تحقّرها قبل أن تكون اسما فتحقير أفعالٍ كتحقير عطشان فرقوا بينها وبين إفعالٍ لأنه لا يكون إلا واحداً ولا يكون أفعالٌ إلا جمعاً ولا يغيَّر عن تحقيره قبل أن يكون اسما كما لا يغيَّر سرحان عن تصغيره إذا سمّيت به ولا تشبِّهه بليلة ونحوها إذا سمَّيت بها رجلاً ثم حقَّرتها لأن ذا ليس بقياس‏.‏

وتحقير أفعالٍ مطَّرد على أفيعالٍ وليست أفعال وإن قلت فيها أفاعيل كأنعامٍ وأناعيم تجري مجرى سرحانٍ وسراحين لأنه لو كان كذلك لقلت في جمَّالٍ‏:‏ جميمال لأنك لا تقول‏:‏ جماميل‏.‏

وإنّما جرى هذا ليفرق بين الجمع والواحد‏.‏

  باب حروف الإضافة إلى المحلوف به وسقوطها

وللقسم والمقسم به أدوات في حروف الجرّ وأكثرها الواو ثمَّ الباء يدخلان على كلِّ محلوف به‏.‏

ثمَّ التاء ولا تدخل إلا في واحد وذلك قولك‏:‏ والله لأفعلنّ‏:‏ وبالله لأفعلنّ وتالله لأكيدنَّ أصنامكم‏.‏

وقال الخليل‏:‏ إنّما تجيْ بهذه الحروف لأنَّك تضيف حلفك إلى المحلوف به كما تضيف مررت به بالباء إلاّ أنَّ الفعل يجيء مضمراً في هذا الباب والحلف توكيد‏.‏

وقد تقول‏:‏ تالله‏!‏ وفيها معنى التعجب‏.‏

وبعض العرب يقول في هذا المعنى‏:‏ لله فيجيء باللام ولا تجيء إلا أن يكون فيها معنى التعجّب‏.‏

قال أميّة بن أبي عائذ‏:‏ لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ بمشمخرٍّ به الظَّيان والآس واعلم أنك إذا حذفت من المحلوف به حرف الجرّ نصبته كما تنصب حقّاً إذا قلت‏:‏ إنك ذاهب حقّاً‏.‏

فاالمحلوف به مؤكَّد به الحديث كما تؤكَّده بالحقِّ ويجرُّ بحروف الإضافة كما يجر حقٌّ إذا قلت‏:‏ إنك ذاهب بحقٍّ وذلك قولك‏:‏ الله لأفعلنَّ‏.‏

وقال ذو الرمة‏:‏ وقال الآخر‏:‏ إذا ما الخبز تأدمه بلحمٍ فذاك أمانة الله الثَّريد فأمَّا تالله فلا تحذف منه التاء إذا أردت معنى التعجّب‏.‏

ولله مثلها إذا تعجّبت ليس إلا‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ الله لأفعلنَّ وذلك أنه أراد حرف الجرّ وايّاه نوى فجاز حيث كثر في كلامهم وحذفوه تخفيفاً وهم ينوونه كما حذف ربَّ في قوله‏:‏ وجدَّاء ما يرجى بها ذو قرابةٍ لعطفٍ وما يخشى السُّماة ربيبها إنَّما يريدون‏:‏ ربَّ جدَّاء وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم‏:‏ لاه أبوك حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى ليخففِّوا الحرف على اللسان وذلك ينوون‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لهى أبوك فقلب العين وجعل اللام ساكنة إذ صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر أين مفتوحا‏.‏

وإنَّما فعلوا ذلك به حيث غيَّروه لكثرته في كلامهم فغيَّروا إعرابه كما غيَّروه‏.‏

واعلم أنَّ من العرب من يقول‏:‏ من ربيِّ لأفعلنَّ ذلك ومن ربيِّ إنَّك لأشر يجعلها في هذا الموضع بمنزلة الواو والباء في قوله‏:‏ والله لأفعلنَّ‏.‏

ولا يدخلونها في غير ربيِّ كما لا يدخلون التاء في غير الله ولكن الواو لازمة لكلّ اسم يقسم به والباء‏.‏

وقد يقول بعض العرب‏:‏ لله لأفعلنَّ كما تقول‏:‏ تالله لأفعلنَّ‏.‏

ولا تدخل الضمّة في من إلا ههنا كما لا تدخل الفتحة في لدن إلا مع غدوةٍ حين تقول‏:‏ لدن غدوةً إلى العشيّ‏.‏

  باب ما يكون ما قبل المحلوف به عوضا من اللفظ بالواو

وذلك قولك‏:‏ إي هاالله ذا نثبت ألف لأنَّ الذي بعدها مدغم‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ إي هلله ذا فيحذف الألف التي بعد الهاء‏.‏

ولا يكون في المقسم ههنا إلا الجرّ لأنَّ قولهم‏:‏ ها صار عوضاً من اللفظ بالواو فحذفت تخفيفاً على اللسان‏.‏

ألا ترى أنَّ الواو لا تظهر ههنا كما تظهر في قولك‏:‏ والله فتركهم الواو ههنا البتَّة يدلُّك على أنها ذهبت من هنا تخفيفاً على اللسان وعوضت منها ها‏.‏

ولو كانت تذهب من هنا كما كانت تذهب من قولهم‏:‏ الله لأفعلنَّ إذن لأدخلت الواو‏.‏

وأمَّا قولهم‏:‏ ذا فزعم الخليل أنه المحلوف عليه كأنه قال‏:‏ إي والله للأمر هذا فحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم وقدم ها كما قدَّم ها في قولهم ها هوذا‏:‏ وها أناذا‏.‏

وهذا قول الخليل وقال زهير‏:‏ تعلَّمن ها لعمر الله ذا قسماً فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك ومثل قولهم‏:‏ آلله لأفعلنّ صارت الألف ههنا بمنزلة ها ثمّ‏.‏

ألا ترى أنك لا تقول‏:‏ أو الله كما لا تقول‏:‏ ها والله فصارت الألف ههنا وهما يعاقبان الواو ولا يثبتان جميعا‏.‏

وقد تعاقب ألف اللام حرف القسم كما عاقبته ألف الاستفهام وها فتظهر في ذلك الموضع الذي يسقط في جميع ما هو مثله للمعاقبة وذلك قوم‏:‏ أفألله لتفعلنَّ‏.‏

ألا ترى أنك إن قلت‏:‏ أفوّ الله لم تثبت‏.‏

وتقول‏:‏ نعم الله لأفعلن وإي الله لأفعلنّ لأنهما ليسا ببدل‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ إي والله ونعم والله‏.‏

وقال الخليل في قوله عزّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ والليل إذا يغشى‏.‏

والنَّهار إذا تجلى‏.‏

وما خلق الذَّكر والأنثى ‏"‏‏:‏ الواوان الأخريان ليستا بمنزلة الأولى ولكنهما الواوان اللتان تضمّان الأسماء إلى الأسماء في قولك‏:‏ مررت بزيدٍ وعمروٍ والأولى بمنزلة الباء والتاء‏.‏

ألا ترى أنَّك تقول‏:‏ والله لأفعلنَّ ووالله لأفعلنّ فتدخل واو العطف عليها كما تدخلها على الباء والتاء‏.‏

قلت للخليل‏:‏ فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى فقال‏:‏ إنَّما أقسم بهذه الأشياء على شيء واحد ولوكان انقضى قسمه بالأوّل على شيء لجاز أن يستعمل كلاماً آخر فيكون كقولك‏:‏ بالله لأفعلنّ بالله لأخرجنّ اليوم ولا ييقوى أن تقول‏:‏ وحقِّك وحقِّ زيد لأفعلنّ والواو الآخرة واو قسم لا يجوز إلا مستكرها لأنَّه لا يجوز هذا في محلوف عليه إلا أن تضمّ الآخر إلى الأول وتقول‏:‏ وحياتي ثمَّ حياتك لأفعلنّ فثمَّ ههنا بمنزلة الواو‏.‏

وتقول‏:‏ والله ثم الله لأفعلنّ وبالله ذم الله لأفعلنّ وتالله ثمَّ الله لأفعلنَّ‏.‏

وإن قلت‏:‏ والله لآتينك ثم الله لأضربنّك فإن شئت قطعت فنصبت كأنَّك قلت‏:‏ بالله لآتينك والله لأضربنَّك فجعلت هذه الواو بمنزلة الواو التي في قولك‏:‏ مررت بزيد وعمرو خارج وإذا لم تقطع وجررت فقلت‏:‏ والله لآتينك ثمّ والله لأضربنك صارت بمنزلة قولك‏:‏ مررت بزيد ثم بعمروٍ‏.‏

وإذا قلت‏:‏ والله لآتينك ثم لأضربنك الله فأخّرته لم يكن إلا النصب لأنه ضمّ الفعل إلى الفعل ثمّ جاء بالقسم له على حدته ولم يحمله على الأوّل‏.‏

وإذا قلت‏:‏ والله لآتينك ثمّ الله فإنَّما أحد الاسمين مضموم إلى الآخر وإن كان قد أخرّ أحدهما ولا يجوز في هذا إلا الجرّ لأنَّ الآخر معلَّق بالأوّل لأنه ليس بعده محلوف عليه‏.‏

ويدلك على أنّه إذا قال‏:‏ والله لأضربنك ثم لأقتلنك الله فإنه لا ينبغي فيها إلا النصب‏:‏ أنه لو قال‏:‏ مررت بزيدٍ أول من أمس وأمس عمروٍ كان قبيحاً خبيثا لأنه فصل بين المجرور والحرف الذي يشركه وهو الواو في الجار كما أنَّه لو فصل بين الجّار والمجرور كان قبيحاً فكذلك الحروف التي تدخله في الجارّ لأنه صار كأنَّ بعده حرف جر فكأنك قلت‏:‏ وبكذا‏.‏

ولو قال‏:‏ وحقِّك وحقِّ زيد على وجه النِّسيان والغلط جاز‏.‏

ولو قال‏:‏ وحقِّك وحقِّ على باب ما عمل بعضه في بعض وفيه معنى القسم وذلك قولك‏:‏ لعمر الله لأفعلنَّ وأيم الله لأفعلنّ‏.‏

وبعض العرب يقول‏:‏ أيمن الكعبة لأفعلنَّ كأنه قال‏:‏ لعمر الله المقسم به وكذلك أيم الله وأيمن الله إلا أنّ ذا أكثر في كلامهم فحذفوه كما حذفوا غيره وهو أكثر من أن أصفه لك‏.‏

ومثل أيم الله وأيمن‏:‏ لاها الله ذا إذا حذفوا ما هذا مبني عليه‏.‏

فهذه الأشياء فيها معنى القسم ومعناها كمعنى الاسم المجرور بالواو وتصديق هذا قول العرب‏:‏ عليَّ عهد الله لأفعلنّ‏.‏

فعهد مرتفعة وعليَّ مستقرّ لها‏.‏

وفيها معنى اليمين‏.‏

وزعم يونس أنَّ ألف أيم موصولة‏.‏

وكذلك تفعل بها العرب وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرَّجل وكذلك ايمن‏.‏

قال الشاعر‏:‏

فقال فريق القوم لمَّا نشدتهم نعم ** وفريق ليمن الله ما ندري

سمعناه هكذا من العرب‏.‏

وسمعنا فصحاء العرب يقولون في بيت امرىء القيس‏:‏ فقلت يمين الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي جعلوه بمنزلة أيمن الكعبة وأيم الله وفيه المعنى الذي فيه‏.‏

وكذلك أمانة الله‏.‏

ومثل ذلك يعلم الله لأفعلنّ وعلم الله لأفعلن فإعرابه كإعراب يذهب زيد وذهب زيد والمعنى‏:‏ والله لأفعلنّ وذا بمنزلة يرحمك الله وفيه معنى الدعاء وبمنزلة اتقى الله امرؤ وعمل خيراً إعرابه إعراب فعل ومعناه ليفعل وليعمل‏.‏

  باب ما يذهب التنوين فيه من الأسماء لغير الإضافة

ولا دخول الألف واللام ولا لأنَّه لا ينصرف وكان القياس أن يثبت التنوين فيه وذلك كلُّ اسمٍ غالبٍ وصف بابنٍ ثم أضيف إلى اسم غالب أو كنية أو أمٍ‏.‏

وذلك قولك‏:‏ هذا زيد بن عمروٍ‏.‏

وإنَّما حذفوا التنوين من هذا النَّحو حيث كثر في كلامهم لأنَّ التنوين حرف ساكن وقع بعده حرف ساكن ومن كلامهم أن يحذفوا الأوّل إذا التقى ساكنان وذلك قولك‏:‏ اضرب ابن زيد وأنت تريد الخفيفة‏.‏

وقولهم‏:‏ لد الصَّلاة في لدن حيث كثر في كلامهم‏.‏

وما يذهب منه الأوّل أكثر من ذلك نحو‏:‏ قل وخف‏.‏

وسائر تنوين الأسماء يحرَّك إذا كانت بعده ألف موصولة لأنَّهما ساكنان يلتقيان فيحرّك الأول كما يحرّك المسكَّن في الأمر والنهي‏.‏

وذلك قولك‏:‏ هذه هند امرأة زيدٍ وهذا زيد امرؤ عمروٍ وهذا عمر الطويل إلاَّ أن الأول حذف منه التنوين لما ذكرت لك‏.‏

وهم ممَّا يحذفون الأكثر في كلامهم‏.‏

وإذا اضطرَّ الشاعر في الأوَّل أيضاً أجراه على القياس‏.‏

سمعنا فصحاء العرب أنشدوا هذا البيت‏:‏ هي ابنتكم وأختكم زعمتم لثعلبة بن نوفلٍ ابن جسر وقال الأغلب‏:‏ جارية من قيسٍ ابن ثعلبة وتقول‏:‏ هذا أبو عمرو بن العلاء لأنَّ الكنية كالاسم الغالب‏.‏

ألا ترى أنَّك تقول‏:‏ هذا زيد بن أبي عمروٍ فتذهب التنوين كما تذهبه في قولك‏:‏ هذا زيد بن عمروٍ لأنَّه اسم غالب‏.‏

وتصديق ذلك قول العرب‏:‏ هذا رجل من بني أبي بكر بن كلابٍ‏.‏

وقال الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء‏:‏ ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها حتَّى أتيت أبا عمرو بن عمّار وقال‏:‏ فلم أجبن ولم أنكل ولكن يممت بها أبا صخر بن عمر وقال يونس‏:‏ من صرف هنداً قال‏:‏ هذه هند بنت زيدٍ فنوّن هنداً لأن هذا موضع لا يتغيَّر وكان أبو عمرو يقول‏:‏ هذه هند بنت عبد الله فيمن صرف ويقول‏:‏ ولمَّا كثر في كلامهم حذفوه كما حذفوا لا أدر ولم يك ولم أبل وخذ وكل وأشباه ذلك وهو كثير‏.‏

وينبغي لمن قال‏:‏ بقول أبي عمرو أن يقول‏:‏ هذا فلان بن فلانٍ لأنّه كناية عن الأسماء التي هي علامات غالبة فأجريت مجراها‏.‏

وأما طامر بن طاكر فهو كقولك‏:‏ زيد بن زيدٍ أنه معرفة كأمّ عامرٍ وأبي الحارث للأسد وللضبَّع فجعل علماً‏.‏

فإذا كنيت إن غير الآدمييّن قلت‏:‏ الفلان والفلانة والهن والهنة جعلوه كنايةً عن النَّاقة التي تسمى بكذا والفرس الذي يسمَّى بكذا ليفرقوا بين الآدمييّن والبهائم‏.‏

  باب ما يحرَّك فيه التنوين في الأسماء الغالبة

وذلك قولك‏:‏ هذا زيد ابن أخيك وهذا زيد ابن أخي عمروٍ وهذا زيد الطويل وهذا عمرو الظريف إلا أن يكون شيء من ذا يغلب عليه فيعرف به كالصَّعق وأشباهه فإذا كان ذلك كذلك لم ينوَّن‏.‏

وتقول‏:‏ هذا زيد ابن عمرك إلا أن يكون ابن عمرك غالباً كابن كراع وابن الزُّبير وأشباه ذلك‏.‏

وأمَّا زيد ابن زيدك فقال الخليل‏:‏ هذا زيد ابن زيدك وهو القياس وهو بمنزلة‏:‏ هذا زيد ابن أخيك لأنَّ زيداً إنَّما صار ههنا معرفةً بالضمير الذي فيه كما صار الأخ معرفة به‏.‏

ألا ترى أنَّك لو قلت‏:‏ هذا زيد رجلٍ صار نكرة فليس بالعلم الغالب لأنَّ ما بعده غيَّره وصار يكون معرفةً ونكرةً به‏.‏

وأمّا يونس فلا ينوّن‏.‏

وتقول‏:‏ مررت بزيدٍ ابن عمرو إذا لم تجعل الابن وصفاً ولكنَّك تجعله بدلاً أو تكريرا كأجمعين‏.‏

وتقول‏:‏ هذا أخو زيدٍ ابن عمروٍ إذا جعلت ابن صفةً للأخ لأنَّ أخا زيدٍ ليس بغالبٍ فلا تدع التنوين فيه فيما يكون اسماً غالباً أو تضيفه إليه‏.‏

وإنما ألزمت التنوين والقياس هذه الأشياء لأنَّهم لها أقلّ استعمالا‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ هذا رجلٍ ابن رجل وهذا زيد رجلٍ كريمٍ‏.‏

وتقول‏:‏ هذا زيد بني عمرو في قول أبي عمرو ويونس لأنَّه لا يلتقي ساكنان‏:‏ وليس بالكثير في الكلام ككثرة ابن في هذا الموضع وليس كلُّ شيء بكثير في كلامهم يحمل الشاذّ‏.‏

ولكنه يجري على بابه حتَّى تعلم أنَّ العرب قد قالت غير ذلك‏.‏

وكذلك تقول العرب ينوّنون‏.‏

وجيع التنوين يثبت في الأسماء إلاّ ما ذكرت لك‏.‏

  باب النون الثقيلة والخفيفة

اعلم أنَّ كل شيء دخلته الخفيفة فقد تدخله الثقيلة‏.‏

كما أن كلَّ شيء تدخله الثقيلة تدخله الخفيفة‏.‏

وزعم الخليل أنَّهما توكيد كما التي تكون فضلاً‏.‏

فإذا جئت بالخفيفة فأنت مؤكّد وإذا جئت بالثقيلة فأنت أشدُّ توكيدا‏.‏

ولها مواضع سأبينها إن شاء الله ومواضعها في الفعل‏.‏

فمن مواضعها الفعل الذي للأمر والنهي وذلك قولك‏:‏ لا تفعلنَّ ذاك واضربنَّ زيدا‏.‏

فهذه الثقيلة‏.‏

وإن خففت قلت‏:‏ ذاك ولا تضربن زيدا‏.‏

ومن مواضعها الفعل الذي لم يجب الذي دخلته لام القسم فذلك لا تفارقه الخفيفة أو الثقيلة لزمه ذلك كما لزمته اللام في القسم‏.‏

وقد بيّنا ذلك في بابه‏.‏

فأمّا الأمر والنَّهي فإن شئت أدخلت فيه النون وإن شئت لم تدخل لأنه ليس فيهما ما في ذا‏.‏

وذلك قولك‏:‏ لتفعلنَّ ذاك ولتفعلان ذاك ولتفعلن ذاك‏.‏

فهذه الثقيلة‏.‏

وإن خففّت قلت‏:‏ لتفعلن ذاك ولتفعلن ذاك‏.‏

فما جاء فيه النون في كتاب الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ ولا تتَّبعان سبيل الذين لا يعلمون ‏"‏ ‏"‏ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً ‏"‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولآمرنهم فليبنِّكنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيَّر خلق الله ‏"‏‏.‏

و ‏"‏ وليسجنّن وليكونن من الصاغرين ‏"‏ وليكونن خفيفة‏.‏

وأمّا الخفيفة فقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لنسفعن بالنَّاصية ‏"‏ وقال الأعشى‏:‏ فإياك والميتات لا تقربنّها ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا فالأولى ثقيلة والأخرى خفيفة‏.‏

وقال زهير‏:‏ تعلَّمن ها لعمر الله ذا قسماً فاقصد بذراعك وانظر أين تنسلك فهذه الخفيفة‏.‏

وقال الأعشى‏:‏ أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا أبا ثابت فاقعد وعرضك سالم فهذه الخفيفة‏.‏

وقال النابغة الذبياني‏:‏ لا أعرفن ربرباً حوراً مدامعها كأن أبكارها نعاج دوار وقال النابغة أيضاً‏:‏ فلتأتينك قصائد وليدفعن جيش إليك قوادم الأكوار والدعاء بمنزلة الأمر والنهي قال ابن رواحة‏:‏ وقال لبيد‏:‏ فلتصلقن بني ضبينة صلقةً تلصقنهم بخوالف الأطناب هذه الثقيلة وهو أكثر من أن يحصى‏.‏

وقالت ليلى الأخيلية‏:‏ تساور سواراً إلى المجد والعلا وفي ذمتى لئن فعلت ليفعلا وقال النابغة الجعدي‏:‏ فمن يك لم يثأر بأعراض قومه فإني وربِّ الراقصات لأثأرا فهذه الخفيفة خففّت كما تثقَّل إذا قلت‏:‏ لأثأرن‏.‏

ومن مواضعها الأفعال غير الواجبة التي تكون بعد حروف الاستفهام وذلك لأنك تريد أعلمني إذا استفهمت وهي أفعال غير واجبة فصارت بمنزلة أفعال الأمر والنهي فان شئت أقحمت النون وان شئت تركت كما فعلت ذلك في الأمر والنهي‏.‏

وذلك قولك‏:‏ هل تقولن وأتقولن ذاك وكم تمكثن وانظر ماذا تفعلن وكذلك جميع حروف الاستفهام‏.‏

وقال الأعشى‏:‏ فهل يمنعني ارتيادي البلا د من حذر الموت أن يأتين وقال‏:‏ وأقبل على رهطى ورهطك نبتحث مساعينا حتى ترى كيف نفعلا أفبعد كندة تمدحنَّ قبيلا وقال‏:‏ هل تحلفن يا نعم لا تدينها فهذه الخفيفة‏.‏

وزعم يونس أنك تقول‏:‏ هلاَّ تقولنَّ وألاَّ تقولنَّ‏.‏

وهذا أقرب من لأنك تعرض فكأنَّك قلت‏:‏ افعل لأنه استفهام فيه معنى العرض‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ لولا تقولنَّ لأنك تعرض‏.‏

وقد بيّنّا حروف الاستفهام وموافقتها الأمر والنهي في باب الجزاء وغيره وهذا ممّا وافقتها فيه وترك تفسيرهن ههنا للذي فسرنا فيما مضى‏.‏

ومن مواضعها حروف الجزاء إذا وقعت بينها وبين الفعل ما للتوكيد وذلك لأنَهم شبّهوا ما باللام التي في لتفعلن لمَّا وقع التوكيد قبل الفعل ألزموا النون آخره كما ألزموا هذه اللام‏.‏

وإن شئت لم تقحم النون كما أنَّك إن شئت لم تجيء بها‏.‏

فأمّا اللام فهي لازمة في اليمين فشبّهوا ما هذه إذ جاءت توكيداً قبل الفعل بهذه اللام التي جاءت لإثبات النون‏.‏

فمن ذلك قولك‏:‏ إمّا تأتيني آتك وأيُّهم ما يقولنَّ ذاك تجزه‏.‏

وتصديق ذلك قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربك ‏"‏ وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ فإما ترينّ من البشر أحداً ‏"‏‏.‏

وقد تدخل النون بغير ما في الجزاء وذلك قليل في الشعر شبّهوه بالنهي حين كان مجزوماً غير واجب‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

نبتم نبات الخيزرانيِّ في الثَّرى ** حديثاً متى ما يأتك الخير ينفعا

وقال ابن الخرع‏:‏

فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ** ومهما تشأ منه فزارة تمنعا

وقال‏:‏

من يثقفن منهم فليس بآثبٍ ** أبداً وقتل بني قتيبة شافي

وقال‏:‏ يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخاً على كرسيّه معمَّما شبّهه بالجزاء حيث كان مجزوما وكان غير واجب وهذا لا يجوز إلاَّ في اضطرار وهي في الجزاء أقوى‏.‏

وقد يقولون‏:‏ أقسمت لمَّا لم تفعلنَّ لأن ذا طلب فصار كقولك‏:‏ لا تفعلنَّ كما أن قولك أتخبرني فيه معنى افعل وهو كالأمر في الاستغناء والجواب‏.‏

ومن مواضعها أفعال غير الواجب التي في قولك‏:‏ بجهدٍ ما تبلغنَّ وأشباهه‏.‏

وإنّما كان ذلك في عضة مَّا ينبتنَّ شكيرها وقال أيضاً في مثل آخر‏:‏ بألمٍ مَّا تختننَّه وقالوا‏:‏ بعين مَّا أريتك‏.‏

فما ههنا بمنزلتها في الجزاء‏.‏

ويجوز للمضطر أنت تفعلنّ ذلك شبهوه بالتي بعد حروف الاستفهام لأنها ليست مجزومة والتي في القسم مرتفعة فأشبهتها في هذه الأشياء فجعلت بمنزلتها حين اضطروا‏.‏

وقال الشاعر جذيمة الأبرش‏:‏

ربما أوفيت في علمٍ ** ترفعن ثوبي شمالات

وزعم يونس أنهم يقولون ربَّما تقولنَّ ذاك وكثر ما تقولنَّ ذاك لأنّه فعل غير واجب ولا يقع بعد هذه الحروف إلاّ وما له لازمة فأشبهت عندهم لام القسم‏.‏

وإن شئت لم تقحم النون في هذا النحو فهو أكثر وأجود وليس بمنزلته في القسم لأنّ اللام إنما ألزمت اليمين كما ألزمت النون اللام وليست مع المقسم به بمنزلة حرف واحد وليست كالتي في بألم ما تختتنه لأنها ليست مع ما قبلها بمنزلة حرف واحد‏.‏

ولو لم تلزم اللام التبس بالنفي إذا حلف أنه لا يفعل فما تجيء لتسهل الفعل بعد ربِّ‏.‏

ولا يشبه ذا القسم‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ حيثما تكونن آتك لأنّها سهلت الفعل أن يكون مجازاة‏.‏

وإنما كان ترك النون في هذا أجود لأنَّ ما وربَّ بمنزلة حرف واحد نحو قد وسوف وما حيث بمنزلة أين واللام باب أحوال الحروف التي قبل النون الخفيفة والثقيلة اعلم أنّ فعل الواحد إذا كان مجزوماً فلحقته الخفيفة والثقيلة حركت المجزوم وهو الحرف الذي أسكنت للجزم لأن الخفيفة ساكنة والثقيلة نونان الأولى منهما ساكنة‏.‏

والحركة فتحة ولم يكسروا فيلتبس المذكّر بالمؤنّث ولم يضمّوا فيلتبس الواحد بالجميع‏.‏

وذلك قولك‏:‏ اعلمن ذلك وأكرمن زيدا وإما تكرمنه أكرمه‏.‏

وإذا كان فعل الواحد مرفوعا ثم لحقته النون صيّرت الحرف المرفوع مفتوحاً لئلا يلتبس الواحد بالجميع وذلك قولك‏:‏ هل تفعلن ذاك وهل تخرجن يا زيد‏.‏

وإذا كان فعل الاثنين مرفوعاً وأدخلت النون الثقيلة حذفت نون الاثنين لاجتماع النونات ولم تحذف الألف لسكون النون لأن الألف تكون قبل الساكن المدغم ولو أذهبتها لم يعلم أنك تريد الاثنين ولم تكن الخفيفة ههنا لأنّها ساكنة ليست مدغمة فلا تثبت مع الألف ولا يجوز حذف الألف فيلتبس بالواحد‏.‏

وإذا كان فعل الجميع مرفوعاً ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة حذفت نون الرفع ذلك قولك‏:‏ لتفعلنَّ ذاك ولتذهبنَّ لأنَّه اجتمعت فيه ثلاث نونات فحذفوها استثقالا‏.‏

وتقول‏:‏ هل تفعلنَّ ذاك تحذف نون الرفع لأنَّك ضاعفت النون وهم يستثقلون التضعيف فحذفوها إذ كانت تحذف وهم في ذا الموضع أشدّ استثقالا للنونات وقد حذفوها فيما هو أشدّ من ذا‏.‏

بلغنا أن بعض القراء قرأ أتحاجوني وكان يقرأ فبم تبشِّرون وهي قراءة أهل المدينة وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف‏.‏

وقال عمرو بن معد يكرب‏:‏ تراه كالثَّغام يعلُّ مسكاً يسوء الفاليات إذا فليني يريد‏:‏ فلينني‏.‏

واعلم أنَّ الخفيفة والثقيلة إذا جاءت بعد علامة إضمار تسقط إذا كانت بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام فإنَّها تسقط أيضاً مع النون الخفيفة والثقيلة وإنَّما سقطت لأنَّها لم تحرَّك فإذا لم تحرك حذفت فإذا حذفت فتحذف لئلا يلتقي ساكنان وذلك قولك للمرأة‏:‏ اضربنَّ زيدا وأكرمنَّ عمر تحذف الياء لما ذكرت لك ولتضربنَّ زيدا ولتكرمنَّ عمرا لأنَّ نون الرفع تذهب فتبقى ياء كالياء التي في اضربي وأكرمي‏.‏

ومن ذلك قولهم للجميع‏:‏ اضربنَّ زيدا وأكرمن عمراً ولتكرمن بشرا لأنّ نون الرفع تذهب فتبقى واو هي كواو ضربوا وأكرموا‏.‏

فإذا جاءت بعد علامة مضمرٍ تتحرّك للألف الخفيفة أو للألف واللام حرّكت لها وكانت الحركة هي الحركة التي تكون إذا جاءت الألف الخفيفة أو الألف واللام لأن علّة حركتها ههنا العلّة التي ذكرتها ثمّ والعلّة التقاء الساكنين وذلك قولك‏:‏ ارضونَّ زيدا تريد الجميع واخشون زيدا واخشينَّ زيدا وارضينَّ زيدا فصار التحريك هو التحريك الذي يكون إذا جاءت الألف واللام أو الألف الخفيفة‏.‏